واقعٌ واقع

  • تاريخ النشر: الثلاثاء، 15 يونيو 2021
واقعٌ واقع
بقلم-ماجدة الصباح

من نكون لو تساقطت قيمنا و تحطمت إنسانيتنا؟ أي واقع سنعيش فيه؟ كيف سنصبح لو لم نسند بعضنا البعض .. ما عدت أقوى الصمت أمام كل هذه المعاناة! عقول نثرها الألم من حولنا ولا مجيب لهم، اضطربات تعلو أمواجها ولا يدٌ تمد لهم.

كم سعيت و كم تمنيت و حلمت!  نعم الوصم على المرض في طريقه للانهيار و لكن كيف غفلت عن الوصم عن المريض ذاته؟ بربكم هل يستطيع أحدهم أن يحاسب مريض لديه نزلة برد ويقول له :كيف يحق لك ارتفاع درجة حرارتك؟ أو لماذا تسعل هكذا؟ تخيلوا اصدقائي أن المريض النفسي مازال يُحاسب على أعراضه! من يعاني من حالة هوس ولا يستطيع التوقف عن الحديث أو التحدث بمنطق وهو مازال يشق طريق علاجه سيتعرض لكم هائل من اللوم وبل من المساءلة و أيضاً قد يتعرض للعقاب و التنمر ..

من الصعب أن يجدوا لهم مكان في خانات الحياة، عملية كانت ام أسرية، و فوق هذا ينبذونهم مما يزيد إحساسهم بالعجز و وكأنهم عالة على المجتمع! قبيح هذا الشعور..

تخيل أنه رغم إصابتك بمرض عقلي أو اضطراب نفسي وبعد أن تبذل جهد منقطع النظير لتقبل المرض و تحارب الإنكار المصاحب له، ثم تبدأ بأسرتك لتقنعهم و بمجرد وصولك لأصدقائك - هذا إذا تبقى منهم أحد - تكون خارت قواك! تستلم و تدير ظهرك للحياة و تقبع خارجها .

شاهدي أيضاً: مسرح الحياة

الاحصائيات في تزايد! هل تعلم أن في هذا الوقت من خمس أشخاص يوجد شخص يعاني؟ حتى أن التنمر عليهم أصبح لا يُستنكر و كأنه أسلوب حياة! ومن الوقاحة أصبح يستخدم حتى في الفكاهة لإثارة جو يعتقد إنه مرح وفي الحقيقه هو جرح! وقد يستخدم لزيادة عدد المتابعين و المشاهدات في وسائل التواصل الاجتماعي.

‏‎علينا جميعًا كأفراد تحمل مسؤولية مجتمعنا علينا رفع أصواتنا ضد وصمة العار كل يوم ، وبكل طريقة ممكنة ، نحتاج إلى الوقوف في وجه تلك الوصمة المدمرة. أعلم أن ما سأذكره  قد يبدو مثالي، أعلم أن بعض الأعراض المرضيه صعب جداً التعايش معها، ولكن يوم بيوم سنصل لمكان ما!

لنحاول أن نقنن دورنا و بشكل واقعي، كيف نستطيع المساعده ؟ نلاحظ انعزال الكثير من المرضى - أنا أتحدث عن من لديه أعراض خارج ارادته و لكنه مازال قادر على ادارة حياته - لا يمكنك ان تتخيل كمية الاحراج التي يتعرض له شخص لديه متلازمة ما. لنكف عن بعضنا البعض! صدقني قد تتفاجأ من عدد المرضى من حولك و الذين يعانون بصمت و يبذلون جهد في كل مناسبة اجتماعية و الأغلب يبادر بالانعزال.

انا لا أطلب المستحيل ، فقط لو كل منا راعى من حوله و أهداه بعض الأمان. فالمريض النفسي مليء بإحساس عدم الأمان الاجتماعي .

شاهدي أيضاً: شكراً أمي..

ابدأ بنفسك، اجعل حديثك الصريح عن ما تمر به من مشاعر مقلقة مع المقربين لك من الأمور الطبيعية التي تزاولها بشكل طبيعي دون خوف، اغتنم كل فرصة لتثقيف نفسك ومن حولك بطبيعة المعاناة النفسية التي يمر بها كل فرد منا مهما كانت حياته مليئة بالمغريات الجميلة، ذكّر الناس بضرورة الحرص على اختيار اللغة الصحيحة و الامتناع عن استخدام حالات الاضطرابات العقلية كصفات لوصف الناس، شجع المساواة بين المرض الجسدي والعقلي، اظهر التعاطف الخالي من الشفقة مع المصابين بالاضطرابات النفسية، كن فرداً مسؤولاً في المجتمع، اكتب رأيك الصريح على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي لكل وسيلة من وسائل الاعلام التي تنبذ المرض النفسي وتستخف به.

أنا هنا أقف و أطلب من نفسي و كل من حولي بالعمل على ذلك، وسأصل الى أبعد مدى أستطيع الوصول له.. فلنكف عنهم فقد آن الاوان أن لا يتم رفع الوصم عن المرض النفسي فقط بل عن المريض ذاته..

فلنرفق بهم و لنرتقي بعطائنا او فهمنا على الاقل .  هذه أرض فانيه ندخلها و نغادرها ولن نأخذ منها شيء سوى اعمالنا الطيبة.