راقصة في العتمة... سكيابارلي تستحضر سحر الفن في ضوء خافت

Oct 5, 2025

No items found.

في ربيع وصيف 2026، لا تقدّم دار Schiaparelli مجموعة أزياء بالمعنى التقليدي، بل مشهدًا فنيًا يتجاوز الخيال، عرضًا يشبه الرقص في العتمة، حيث تُصنع الأناقة من الضوء والظل، وتصبح كل قطعة حركة، وكل تفصيل نغمة من لحن داخلي لا يسمعه سوى القلب.

في هذه المجموعة التي حملت عنوان "Dancer in the Dark"، يختار دانيال روزبيري أن يعيد تعريف العلاقة بين الفن والموضة، بين المتعة والبصيرة. فبينما تتهاوى شاشاتنا بما تزخر به من مشاهد لحظية وزائلة، تأتي Schiaparelli لتقدّم تجربة أعمق، تذكّرنا أن الجمال ليس تسلية، بل إلهام. هنا، لا نُشاهد العرض فحسب، بل نعيشه كما نعيش زيارةً إلى متحفٍ حيّ، حيث تتحدث المنحوتات بصمتٍ لامع، وتتحرك الأقمشة كأنها ترقص على إيقاع الروح.

تبدو التصاميم وكأنها تمارين على الصمت والجرأة في آن واحد. سترات حادة الكتف، دقيقة الخياطة، بلا أي زوائد أو زهو، تحتفي بالانضباط كما تحتفي بالأنوثة التي لا تحتاج إلى ضوضاء لتُثبت وجودها. فساتين عمودية تنساب بخفة الضوء، تمزج بين القسوة والدقّة، وبين الأسود والعاجي والأحمر القرمزي في لوحةٍ مشحونة بالرمز والهدوء.

أما قطع الحياكة، فهي تحية إلى إرث إلسا سكيابارلي نفسها، تلك التي آمنت أن الخيال يمكن أن يُرتدى. نُفذت بنقوشٍ خدّاعة للبصر trompe-l'œil مستوحاة من رسومات روزبيري، فتحولت الأقمشة إلى سطوحٍ تحاكي الأحلام، تخدع العين وتوقظ الفكر. وحتى الإكسسوارات، من الحقائب ذات الأقفال السرّية إلى الأحذية المنحوتة، بدت كأنها خرجت من لوحةٍ لسلفادور دالي، حيث الزمن يذوب والترف يأخذ شكلاً سائلًا.

في هذه المجموعة، لا يكتفي روزبيري بأن يستحضر روح سكيابارلي، بل يواصل الحوار الذي بدأته قبل قرن، حواراً بين الواقعية والسريالية، بين ما يُرى وما يُحسّ. إنه عرض عن التوازن بين الضوء والظلال، بين الماضي والمستقبل، عن ذلك التوتر الجميل بين ما نُخفيه وما نُظهره.

لكن خلف هذا الجمال الصارم، هناك فكرة أكبر، أن الموضة ليست مجرد استعراضٍ للجمال، بل وسيلة لاكتشاف الذات. فـالمرأة السكيابارلية ليست متفرجة على الحياة، بل راقصة فيها. ترقص في الظلام بلا خوف، لأن الضوء بالنسبة لها ليس ما يسطع من الخارج، بل ما يتوهج من الداخل.

إنها مجموعة تُخاطب من يبحث عن الفن في التفاصيل، وعن الحقيقة في الخيال. وعندما ينتهي العرض، يبقى الأثر كما تبقى رائحة عطرٍ عتيق: لا تُرى، لكنها تسكن في الذاكرة، وتذكّرك أن الجمال الأصيل لا يصرخ... بل يهمس.