سكياباريللي الهوت كوتور خريف وشتاء 2025-2026 العودة إلى المستقبل

Jul 9, 2025

يونيو - العام 1940، غادرت إلسا سكياباريللي  Elsa Schiaparelli باريس، المدينة التي أحبتها واتخذتها موطنًا لها، واستقلت سفينة إلى نيويورك. شكّل ذلك نهاية عقدٍ من الزمن، كما وقد شكل نهاية حقبة ثورية في عالم الموضة.

على مدى العقدين السابقين، لم يقتصر تأثير هاتين المصممتين على طريقة ارتداء النساء للأزياء فحسب، بل ساهمتا أيضًا في تغيير مفهوم الموضة بأسره. كانت أولاهما غابرييل شانيل، التي حرّرت المرأة من الكورسيه وألبستها أقمشة الجيرسيه المنسدلة لتعانق الجسد برقة. كما ابتكرت مفهومًا أيقونيًا جديدًا – ما نطلق عليه اليوم «الرموز» – أي تلك التفاصيل والأنماط المميزة التي تجعل الفستان أو الحقيبة يُنسب على الفور إلى دار أزياء معينة دون سواها.

بعدها جاءت إلسا بأسلوبها المميّز، الذي لم يكن ماديًا بقدر ما كان فكريًا ومفاهيميًا. إذ طرحت تساؤلات وتحديات جوهرية حول ماهية الموضة نفسها. ففي حين ركزت شانيل على الجانب العملي للملابس وكيفية فائدتها للمرأة، اهتمت إلسا أكثر بجوهر الموضة وما قد تمثّله.

هل يظل الفستان مجرد فستان، أم يمكن الارتقاء به ليصبح عملًا فنيًا؟ كيف يمكن للموضة أن تتحاور مع الفن؟ وكيف للفن أن يلهم الموضة ويغذيها؟ بعد إلسا، لم تعد الموضة – ولا ما نريده ونتوقعه منها – كما كانت من قبل.

عند التأمل في الماضي، يتّضح أن السنوات التي سبقت هروب إلسا المؤقت من باريس كانت زمنًا بلغت فيه الأناقة ذروتها، بالتزامن مع بزوغ الحقبة الحديثة للحرب. قطبان متناقضان اجتمعا معًا، بشكل يكاد لا يُصدّق، في مدينة واحدة وفي الوقت ذاته.

هذه التشكيلة مهداة إلى تلك الحقبة، حين كانت الحياة والفن يقفان على حافة الهاوية: إلى غروب الأناقة، وإلى نهاية العالم كما عهدناه.

وقد صيغت التشكيلة بالكامل بالأبيض والأسود، إذ أردت لها أن تطرح سؤالًا: هل بإمكاننا طمس الخط الفاصل بين الماضي والمستقبل؟ إذا جردت هذه القطع من اللون، ومن أي مفهوم للحداثة، وإذا انغمست كليًا في الماضي، فهل أستطيع أن أبتكر تشكيلة تبدو وكأنها وُلدت في المستقبل؟

لقد تلاشت معالم الحداثة المألوفة، وما تبقّى هو جوهر نقي، عودة إلى مبادئ تبدو ثورية بحد ذاتها. إنني أتصوّر عالمًا خاليًا من الشاشات، بلا ذكاء اصطناعي، وبلا تكنولوجيا – عالمًا قديمًا نعم، لكنه أيضًا عالم «ما بعد المستقبل». وربما هما، في الحقيقة، شيء واحد. فإذا كان موسم العام الماضي يدور حول إضفاء حداثة على البذخ، فإن هذا الموسم يتمحور حول قلب محتويات الأرشيف ومنحها طابعًا مستقبليًا.

إلى جانب لوحة الألوان الجديدة، تقدّم هذه التشكيلة أيضًا مقاربة مبتكرة للأشكال. فقد غابت عنها قصّات الكورسيه الشهيرة لدى سكياباريللي (Schiaparelli)، لتحلّ محلّها رؤية جديدة للدراما تُبرز الخصر والوركين بأساليب غير متوقعة، مانحة المرأة مزيجًا فريدًا من القوة والراحة في الوقت نفسه.

كما جرى أيضًا استكشاف رموز الدار الشهيرة بأساليب غير مباشرة؛ حيث تتوارى أيقونات ثقب المفتاح والتشريح داخل تفاصيل القصّات الراقية، مجسدة في تفاصيل من السيراميك المستوحاة من الماضي والمصنوعة يدوياً. أما أوشحة الفوال، فقد زُينت بأشرطة القياس ونقاط الدوت السويسرية المطرزة بخيوط حريرية، باستخدام تقنيات تعود إلى زمن إلسا.

الواقع، صُمّم العرض بأكمله كتجربة سريالية تخدع البصر، من المكياج إلى الأقمشة التي شملت صوف دونيغال (Donegal) والساتان اللامع. تضمّنت التشكيلة بدلات عشاء ذات تنانير مقصوصة بطول الركبة، وسترات مطرزة بخيوط فضية وسوداء متلألئة. كما قدّمنا سترة "إلسا" ذات الأكتاف الحادة المستوحاة من أرشيف الدار، مصممة بقصّات وأقمشة صوفية، إلى جانب فساتين سهرة بقصّات مائلة (bias-cut)، مقدّمة لغة جديدة لأزياء الليل لا تعتمد على الكورسيهات أو الملابس تحديد القوام.

ثم هناك قطع الفانتازيا: كاب «أبولو» الأيقوني من إلسا، أُعيد تصوّره هنا كرذاذ ضخم من مجوهرات الديامانتية، بطبقات ثلاث من انفجارات نجمية معدنية مطلية بدرجات متفاوتة من اللون الأسود والرصاصي والفضي الساتاني؛ وفستان "Squiggles and Wiggles" من التول مطرّز بأصداف ثلاثية الأبعاد تعلوها طبقة منفوشة من الأورجانزا الحريرية البيضاء، يرافقه مظلة من الأورجانزا الحريرية السوداء؛ إلى جانب سترات ومعاطف مستوحاة من زي مصارعي الثيران، مرصعة باللآلئ الباروكية وبقع معدنية بنمط النمر وحبيبات النفيس الأسود، جميعها تنتمي إلى رموز الدار؛ وأخيرًا، ما أسميه تطريز "Eyes Wide Open" الخاص بنا: فستان مزين بنقشة قزحية مرسومة يدويًا، مغلفة بأحجار كابوشون من الراتنج، ومزدان برموش وأجفان بخيوط معدنية، مع ظهر ينسدل منه تول حريري.

من السهل جدًا أن نُضفي هالة رومانسية على الماضي، ومن السهل أيضًا أن نرتاب في الحاضر. في يناير من العام 1941، عادت إلسا في زيارة قصيرة إلى باريس رغم ظروف الحرب، فتوقفت أولًا في البرتغال حيث سلّمت 13,000 كبسولة فيتامين إلى الوزير الفرنسي في لشبونة نيابةً عن لجنة الإغاثة الأميركية-الفرنسية. وفي مايو من ذلك العام، عادت إلى نيويورك لتنضم مجددًا إلى العديد من أصدقائها وزملائها السرياليين الذين لجأوا هناك. تذكرك هذه التشكيلة بأن النظر إلى الماضي لا معنى له إذا لم نستخلص منه ما يستحق أن نحمله إلى مستقبلنا.

Daniel Roseberry

دانيال روزبيري